تفاصيل خطيرة | لماذا سمحت مصر لسفينة حربية اسرائيلية من المرور في قناة السويس ؟؟
ده فيديو للحظة عبور سفينة حربية إسرائيلية للممر الملاحي لقناة السويس وهي ترفع العلم المصري بجانب العلم الإسرائيلي، والفيديو تم ترويجه على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، مصحوبًا بالسبّ واتهامات لمصر، خصوصًا لأنه جاء بعد خبر سفينة ميناء الإسكندرية.
طبعًا الفيديو حقيقي وحصل فعلًا. لنأتي الآن لنشرح التفاصيل كلها بكل شرف وأمانة ومصداقية وبالعقل. لكن إذا لم تستوعب الكلام الموجود في هذا الفيديو أو لا تستطيع متابعة الحلقة إلى النهاية، فأحب أن أقول لك إن هذا الفيديو ليس لك.
أولًا، قناة السويس هي ممر ملاحي عالمي يتم تشغيله وفقًا لاتفاقية القسطنطينية التي وُقّعت في عام 1888، وتحديدًا في 29 أكتوبر 1888، بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا والمجر وإسبانيا وروسيا وإيطاليا وهولندا. وتلخص هذه الاتفاقية حرية الملاحة في قناة السويس لجميع السفن، سواء كانت حربية أو تجارية، ومن دون التمييز بين جنسياتها في وقت السلم أو الحرب، إلا في حالة أن تكون مصر في حالة حرب مع الدولة صاحبة السفينة. ضع تحت هذه النقطة 100 خط.
(إذا كنتم ترغبون في حلقة كاملة عن هذه الاتفاقية، اكتبوا لنا في التعليقات).
بناءً على هذه الاتفاقية، مصر منذ عام 1888 إلى الآن تلتزم ببنودها وتدير القناة بناءً على ذلك. حتى بعد قرار تأميمها على يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في عام 1956، لم يتغير التشغيل.
طبعًا ستسأل نفسك الآن: “لماذا نلتزم باتفاقيات من أيام الاحتلال بينما إثيوبيا، مثلاً، تقول إن تمسك مصر بحصتها في مياه النيل هو من حقبة الاستعمار، ولا تلتزم إثيوبيا بذلك؟” بمعنى أن من الطبيعي أن مصر لا تتعامل بهذه الاتفاقية، صحيح؟
سأقول لك إنك بالفعل على حق، لكن هذا في حالة واحدة، وسأشرحها لك بعد قليل. كما سأجيبك على هذا السؤال بعد قليل. كنت مثلك حتى بحثت وربطت الأمور ببعضها وفهمت. فتابع معي للنهاية لتفهم.
نعود الآن للمشهد الثاني في الفيديو وهو العلم المصري بجانب العلم الإسرائيلي.
أولاً، هذا بروتوكول معروف ومتبع في السفن الحربية عند الدخول إلى المياه الإقليمية للدول، لكنه ليس إلزاميًا، ويُعتبر بمثابة تحية عسكرية، بمعنى كأنها تقول “أنا سفينة غير معادية”، إلا في حالة رسو السفينة الحربية في ميناء خاص بالدولة، حيث يصبح إلزاميًا أن ترفع السفينة علم الدولة التي يقع عليها الميناء.
مثال ذلك، الفيديو لسفينة حربية تركية كانت في ميناء الإسكندرية قبل زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا، وكانت في انتظار الموافقة للتحرك مع القطع البحرية المصرية إلى الصومال، فوضعت علم مصر بجانب العلم التركي. أما بالنسبة لقناة السويس، فليس شرطًا أن ترفع السفن علم مصر عند المرور منها، ولا يوجد نص في اتفاقية القسطنطينية يلزم بذلك.
والدليل على ذلك أن الصورة هذه توثّق لحظة عبور سفينة حربية إسرائيلية من قناة السويس في 14 فبراير 2013، ولم تكن رافعةً علم مصر بجانب العلم الإسرائيلي.
طبعًا هذا لا يعني سوى دلالة واحدة وهي الاستفزاز، لأنهم يعلمون أن كثيرًا من المصريين يحبون مشاهدة السفن التي تمر بالقناة على طول الشريط الملاحي، ويعرفون أن هذه اللقطة ستثير الغضب. ولو كان ضروريًا أو إلزاميًا رفع العلم، لكان قد تم رفعه في عام 2013 أو في غيرها من الأوقات.
ثانيًا، إسرائيل تحتاج إلى استخدام الممر الملاحي لأن لديها ميناءً في حيفا وآخر في إيلات.
حتى هنا نكون قد شرحنا الفيديو. لنأتي الآن إلى الكلام المهم الذي يجب أن تفهمه جيدًا.
حاليًا، مصر تضغط في ملف المفاوضات لإنهاء حرب غزة، وإسرائيل طلبت قبل ذلك أكثر من مرة من أمريكا إبعاد مصر عن هذا الملف، أول مرة عندما اتهموا المخابرات المصرية بتغيير بنود الاتفاقية بعد موافقة نتنياهو عليها، وآخر مرة عندما أصرت مصر على عدم السماح بأي تواجد إسرائيلي في معبر رفح ومحور فيلادلفيا. ونتنياهو ظهر في فيديو يلمح إلى أن مصر تُدخل السلاح إلى حماس، واصفًا ذلك بأنه “شريان الحياة لحماس”.
مصر والدول العربية اعترضوا على هذا الكلام وأيدوا موقف مصر، حتى تركيا. فإذا منعت مصر مرور سفينة إسرائيلية في القناة، ستُعتبر مصر دولة معادية. ولو منعت مصر هذه السفينة، لكانت إسرائيل استغلت ذلك كذريعة لإبعاد مصر من ملف المفاوضات، مما سيؤدي إلى تعطيل أي فرصة لإنهاء الحرب عبر المفاوضات، وهذا ما يسمح لإسرائيل بتنفيذ المخطط الذي تحلم به، وهو احتلال شمال غزة ضمن “خطة الجنرالات”.
وقد نشرت فيديو قصير عنها منذ حوالي خمسة أيام، وتتلخص في أن إسرائيل قبل عام 2005 كانت لديها مستوطنات في شمال قطاع غزة، وكان هناك وجود إسرائيلي في القطاع كله تقريبًا، لكن بعد عام 2005، نفّذ شارون خطة “فك الارتباط”، حيث فكك المستوطنات وخرجت القوات الإسرائيلية من غزة، وسمح لحماس بالسيطرة على القطاع بعد معارك مع جماعة فتح التابعة للسلطة الفلسطينية، وهذا كان مقصودًا كي يفرق بينهم ويبدأ بالانفراد بكل جماعة على حدة، وينزع الشرعية الدولية عن حماس لأنها لا تخضع للسلطة الفلسطينية، ومن ثم وصفت حماس لاحقًا بالإرهاب.
خطة الجنرالات تهدف إلى عزل شمال غزة عن جنوبها وإعادة احتلالها، وإقامة قاعدة عسكرية في محور نستريم، وبناء مستوطنات هناك. حتى أن مؤتمرًا عُقد للمستوطنين الصهاينة للاتفاق على نصيب كل منهم من أرض شمال غزة
وهذا يفسر منعهم إدخال أي مساعدات إلى شمال غزة لإجبار سكانه على النزوح جنوبًا، واعترافهم بصعوبة المعارك في الشمال لزيادة القصف عليه.
بعد السيطرة على شمال غزة، وبعد إفراغه من السكان وبناء المستوطنات، ستُقام قاعدة عسكرية ومنطقة عازلة، لتبدأ حينها إسرائيل بحفر “قناة بن غوريون” من إيلات إلى شمال غزة، حيث تعتبر قناة السويس مصدر دخل قومي واستراتيجي لمصر، إذ حققت عائدات بقيمة 9.5 مليار دولار قبل أحداث 7 أكتوبر.
لكن الهدف من قناة بن غوريون ليس ماليًا فقط، بل السيطرة على الممرات المائية في العالم، مثلما تسيطر أمريكا على قناة بنما وروسيا دخلت حرب أوكرانيا للسيطرة على البحر الأسود. أمريكا ترغب أيضًا في السيطرة على بحر الصين الجنوبي بدعوى دعم تايوان، وأصبحت تسيطر حاليًا على مضيق باب المندب بحجة حربها على الحوثيين، وتريد السيطرة أيضًا على قناة السويس. لذا قاموا بالعدوان الثلاثي عام 1956 بعد قرار تأميم القناة.
لما فشلت كل محاولات السيطرة عليها، لم يتبق أمامهم سوى إنشاء بديل لها وهو “قناة بن غوريون”. ولو لم يكن هذا هدفهم، لما خططوا لإنشاء “ممر بايدن” الذي يربط الهند بإسرائيل عبر دول الخليج، رغم صعوبة تنفيذه وتكاليف تشغيله، بينما كانت مصر سباقة بخطوات عبر شبكة السكك الحديدية والقطار السريع، خصوصًا في سيناء، واتفاقية التجارة والنقل البحري بين الأردن ومصر والعراق.
لذا، إذا منعت مصر مرور السفينة أو علّقت العمل باتفاقية القسطنطينية، مع وجود محاولات لاحتلال شمال غزة، فسيبدؤون بحفر قناة بن غوريون في غضون عامين على الأكثر ويبدأون بتشغيلها. وحيث أن معظم شركات الشحن التي تمر عبر قناة السويس أوروبية والباقي من شرق آسيا كتايوان واليابان وكوريا الجنوبية، فلن تمر عبر قناة السويس وستتجه مباشرة إلى قناة بن غوريون.
وبهذا، ستتراجع إيرادات القناة، ويضيع هدفها الاستراتيجي، مما يؤدي إلى إهمالها وتوقف الصيانة، وبالتالي ستكون غير مؤهلة لاستيعاب السفن الكبيرة بعد فترة زمنية. وهكذا، ستمر السفن الصينية من قناة بن غوريون، باعتبارها قناة نشطة وبها صيانة دورية، وسيتحكم الغرب في التجارة الصينية.
بهذا يصبح احتلال العالم كله “حلال” لأمريكا.
أتمنى أن تكونوا قد فهمتم لماذا سمحت مصر بمرور السفينة، ولماذا لم تعلق العمل باتفاقية القسطنطينية، ولماذا رفعت السفينة العلم المصري بجانب علمهم.
الحالة الوحيدة التي تُحقق تعطيل مصر لاتفاقية القسطنطينية أو التعديل عليها، هي إقامة دولة فلسطين، لأن هذا سيُبدّد حلمهم، وبالتالي التعامل مع الاتفاق
الحلقة علي اليوتيوب